عواطف حائرة 6/2
الأربعاء 7 / ربيع الأول /1435هـ
Al-muneef .s. m عواطف حائرة 6/2
كلمات
الامير الشاعر / عبدالله الفيصل ....غناء أم كلثوم
ثورة
الشك
أَكَادُ أَشُكُّ في نَفْسِي لأَنِّي
.....................أَكَادُ أَشُكُّ فيكَ
وأَنْتَ مِنِّي
يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خِنْتَ عَهْدِي
..................وَلَمْ تَحْفَظْ هَوَايَ
وَلَمْ تَصُنِّي .
والتفعيلة
الثانية من الشطر الثاني تضم نفس المحبوبة في قوله : (فيكَ) متصله بكاف الخطاب ، عاكسة معنى الذات المشكوك
فيها ،
ليكرس
كل ذلك عند المتلقي ذلك القلق وتلك الحيرة حيال الأنا ، الأنا الأخرى ، الآخر ، المحبوب
المشكوك في أمره هواه ،
وإذا
تأملنا شبه الجملة في قوله في الشطر الأول ( في نَفْسِي)
، في مقابل قوله في الشطر الثاني (فيكَ) ،
سنجد
ما يجسد في الأولى انفصال حرف الجر ( في ) الذي يوحي بالاحتواء
عن نفس الشاعر (نَفْسِي)
،
ما قد
يكرس معنى انفصام الذات وانقسامها حيال ما تشك فيه من أمر الهوى ،
في مقابل
اتصال الحرف نفسه (في ) بضمير كاف الخطاب (فيكَ) ، العائد على المحبوب ،
والمتصل
به في الوقت نفسه ، بما يحقق معنى اتصال الأنا الأخرى الشاكة بالمحبوب ، وللمتلقي ان
يزيد ،
الفيصل
بدأ بشك وقلق ، ظلا يعتصرانه ، حتى آخر أبيات قصيدته ،
ولأن
شك الفيصل ظل في حيز المقاربة وليس اليقين ،
ولأنه
لايريد ان يقتله يقين الخيانة والهجر ، نراه يحمل دواعي مقاربة شكه على الناس ،
او لأخر
، في شكل مغاير عن الآخر الحبيب ، حيث ذات الشاعر قد ناءت بقلق الشك :
يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خِنْتَ عَهْدِي
إن فاعلية
الشك ومفعوليته في رؤى الفيصل ،
مصدرها
الناس ، فالناس الفاعل هم القائلون ،
وقولهم
عن خيانة المحبوب وعدم حفظه وصونه لعهد الهوى ،
هو مقول قولهم ، الذي يعربه المعربون مفعولاً به
. وهذا إنما يوحي بمدى ما ينوء به فكر الشاعر ووجدانه من وطأة الحيرة ، بين حبه وشكه
في مبادلة المحبوب له إخلاصه في هذا الحب .إنه يحاول بطريق غير مباشرة أن يدفع عن نفسه
أن يكون هو وحده مصدراً للشك وفاعلاً له ، وبالقدر نفسه يحاول أن يدفع مفعولية وقع
ذلك الشك وهولهُ على نفسه .
ولقد
لعبت ثنائية الضمائر بين معطيات (( النحوية)) وحمولاتها ((الشعرية))، دوراً مهما هنا
في نتاج مزيد من الدلالات المستوحاة من باطن البيت ، إن الضمائر تتعدى معناها النحوي
– متصلة ومنفصلة ومستترة – لتستقرئ في الوقت نفسه ضمير المحبين وجوانية نفسيهما ، وقد
جاءت الضمائر قسمة – تقريباً- بين المحبوب والشاعر المحب . فما يخص المحبوب : كان كاف
الخطاب في (إنَّكَ) ،وتاء
الفاعل في (خِنْتَ)، والضمير
المستتر / الفاعل في الفعلين :
((تَحْفَظْ)) و ((تَصُنِّي)) ، في مقابل ياء المتكلم
المكررة ثلاث مرات في لفظتي: ((عَهْدِي))
و ((هَوَايَ)) ، وبالمفعولية
في الفعل ((تَصُنِّي)).
إن الضمائر
المتصلة بأمر المحبوبة توحي بفعل مواجهة على لسان ما يقوله الناس عنها ، على حين أنها
توحي بفعل الانكسار والمذلة فيما يخص أمر الشاعر ، من خلال ياء المتكلم ومن خلال فعل استلاب ،فعهده في قوله : ((عَهْدِي)) مخون ، وهواه في قوله
: ((هَوَايَ)) غير محفوظ
، وفي قوله : ((تَصُنِّي))
غير مُصان ، وكأن ما في ضميره يتلاعب به – مصيراً – ما في ضمير المحبوب ، ليقع عبء
هذا الشك في الحب عليه وحده .
وإذا
كانت ياء المتكلم ضميراً يوحي بشيء من الخصوصية وعدم المشاركة للمتحدث ، وهو هنا الشاعر
الشاكي ، فإنه لم يجعل العهد والهوى والصون إلا إليه ، فلم يقل : ((عهدينا)) أو ((هوانا))
، وكأنه يُعذبُ وحده في حب من طرف واحد ، ولا يشاركه فيه محبوب غير عابئ بمشاعره .
وهكذا
يلعب الضمير إيقاعاً داخلياً حزيناً في النفس ، في مقابل إيقاعه الموسيقي الداخلي في
البيت ،
ومع
البيت الثالث ، يتغاضى الشاعر إلى حين – معتصماً بالشباب – عن ثورة شكه ، معلنا في
حب لا يخلو من انكسار محب متذلل ، يحب من طرف واحد ،
وَأنْتَ مُنَايَ أَجْمَعُهَا مَشَتْ بِي
إلَيْكَ خُطَى الشَّبَابِ المُطْمَئِنِّ
لم يعد
في مقدور الشاعر القلق غير أن يتداوى بالحب – مستنيماً إليه إلى حين – من الشك ، حيث
يغدو محبوبه – مع شكه فيه – هو كل المُنى ، في صورة تجريدية تند عن الحسية ، وهنا حُق
له أن يمشي إليه الشاعر مؤنسنا شبابه في صورة تشخيصية ، بوصفه محباً يسعى بخطى شبابية
، يُمني نفسه بالاطمئنان طمعاً – بدعم من شبابه – في التواصل ،
خطى
الفيصل محكومة بمسعاه هو إلى محبوب مشكوك في حبه ،فخطواته وإن بدا ظاهرها سعيداً ،
فهي محكومة بقيد من الشك ، حاول الشاعر في سعيه أن يتناساه ، بسعي من جانب واحد .
ويمكن
للتشكيل بالزمن في الأبيات الثلاثة التالية ، أن يكشف من المسكوت عنه أضعاف ما يُظهر
من أمر الشاعر مع محبوبه ، وعواطفه الحائرة تجاهه . إن حديث الشاعر عن خطى شبابه التي
مشى بها إلى محبوبه لا يلوي على شيء غير مقصده إليه من طرف واحد ، ليقطع الشك بما ظنه
يقيناً ، يبدو أنها تخيب وفق مسعى طال زمنه ، وكاد معه شبابه أن يولي إلى غير عود
:
وَقَدْ كَادَ الشَّبَابُ لِغَيْرِ عَوْدٍ
يُوَلِّي عَنْ فَتَىً في غَيْرِ أَمْنِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق