الأربعاء، 8 يناير 2014

عواطف حائرة 6/2

عواطف حائرة 6/2
الأربعاء 7 / ربيع الأول /1435هـ
Al-muneef .s. m                         عواطف حائرة 6/2

كلمات الامير الشاعر / عبدالله الفيصل ....غناء أم كلثوم
ثورة الشك
أَكَادُ أَشُكُّ في نَفْسِي لأَنِّي
.....................أَكَادُ أَشُكُّ فيكَ وأَنْتَ مِنِّي
يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خِنْتَ عَهْدِي
..................وَلَمْ تَحْفَظْ هَوَايَ وَلَمْ تَصُنِّي .

والتفعيلة الثانية من الشطر الثاني تضم نفس المحبوبة في قوله : (فيكَ) متصله بكاف الخطاب ، عاكسة معنى الذات المشكوك فيها ،
ليكرس كل ذلك عند المتلقي ذلك القلق وتلك الحيرة حيال الأنا ، الأنا الأخرى ، الآخر ، المحبوب المشكوك في أمره هواه ،
وإذا تأملنا شبه الجملة في قوله في الشطر الأول ( في  نَفْسِي) ، في مقابل قوله في الشطر الثاني (فيكَ) ،
سنجد ما يجسد في الأولى انفصال حرف الجر ( في ) الذي يوحي بالاحتواء عن نفس الشاعر (نَفْسِي) ،
ما قد يكرس معنى انفصام الذات وانقسامها حيال ما تشك فيه من أمر الهوى ،
في مقابل اتصال الحرف نفسه (في ) بضمير كاف الخطاب (فيكَ) ، العائد على المحبوب ،
والمتصل به في الوقت نفسه ، بما يحقق معنى اتصال الأنا الأخرى الشاكة بالمحبوب ، وللمتلقي ان يزيد ،
الفيصل بدأ بشك وقلق ، ظلا يعتصرانه ، حتى آخر أبيات قصيدته ،
ولأن شك الفيصل ظل في حيز المقاربة وليس اليقين ،
ولأنه لايريد ان يقتله يقين الخيانة والهجر ، نراه يحمل دواعي مقاربة شكه على الناس ،
او لأخر ، في شكل مغاير عن الآخر الحبيب ، حيث ذات الشاعر قد ناءت بقلق الشك :

يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خِنْتَ عَهْدِي
..................وَلَمْ تَحْفَظْ هَوَايَ وَلَمْ تَصُنِّي .




إن فاعلية الشك ومفعوليته في رؤى الفيصل ،
مصدرها الناس ، فالناس الفاعل هم القائلون ،
وقولهم عن خيانة المحبوب وعدم حفظه وصونه لعهد الهوى ،
 هو مقول قولهم ، الذي يعربه المعربون مفعولاً به . وهذا إنما يوحي بمدى ما ينوء به فكر الشاعر ووجدانه من وطأة الحيرة ، بين حبه وشكه في مبادلة المحبوب له إخلاصه في هذا الحب .إنه يحاول بطريق غير مباشرة أن يدفع عن نفسه أن يكون هو وحده مصدراً للشك وفاعلاً له ، وبالقدر نفسه يحاول أن يدفع مفعولية وقع ذلك الشك وهولهُ على نفسه .
ولقد لعبت ثنائية الضمائر بين معطيات (( النحوية)) وحمولاتها ((الشعرية))، دوراً مهما هنا في نتاج مزيد من الدلالات المستوحاة من باطن البيت ، إن الضمائر تتعدى معناها النحوي – متصلة ومنفصلة ومستترة – لتستقرئ في الوقت نفسه ضمير المحبين وجوانية نفسيهما ، وقد جاءت الضمائر قسمة – تقريباً- بين المحبوب والشاعر المحب . فما يخص المحبوب : كان كاف الخطاب في (إنَّكَ) ،وتاء الفاعل في (خِنْتَ)، والضمير المستتر / الفاعل في الفعلين :
((تَحْفَظْ)) و ((تَصُنِّي)) ، في مقابل ياء المتكلم المكررة ثلاث مرات في لفظتي: ((عَهْدِي)) و ((هَوَايَ)) ، وبالمفعولية في الفعل ((تَصُنِّي)).
إن الضمائر المتصلة بأمر المحبوبة توحي بفعل مواجهة على لسان ما يقوله الناس عنها ، على حين أنها توحي بفعل الانكسار والمذلة فيما يخص أمر الشاعر ، من خلال ياء المتكلم  ومن خلال فعل استلاب ،فعهده في قوله : ((عَهْدِي)) مخون ، وهواه في قوله : ((هَوَايَ)) غير محفوظ ، وفي قوله : ((تَصُنِّي)) غير مُصان ، وكأن ما في ضميره يتلاعب به – مصيراً – ما في ضمير المحبوب ، ليقع عبء هذا الشك في الحب عليه وحده .
وإذا كانت ياء المتكلم ضميراً يوحي بشيء من الخصوصية وعدم المشاركة للمتحدث ، وهو هنا الشاعر الشاكي ، فإنه لم يجعل العهد والهوى والصون إلا إليه ، فلم يقل : ((عهدينا)) أو ((هوانا)) ، وكأنه يُعذبُ وحده في حب من طرف واحد ، ولا يشاركه فيه محبوب غير عابئ بمشاعره .
وهكذا يلعب الضمير إيقاعاً داخلياً حزيناً في النفس ، في مقابل إيقاعه الموسيقي الداخلي في البيت ،
ومع البيت الثالث ، يتغاضى الشاعر إلى حين – معتصماً بالشباب – عن ثورة شكه ، معلنا في حب لا يخلو من انكسار محب متذلل ، يحب من طرف واحد ،

وَأنْتَ مُنَايَ أَجْمَعُهَا مَشَتْ بِي
إلَيْكَ خُطَى الشَّبَابِ المُطْمَئِنِّ

لم يعد في مقدور الشاعر القلق غير أن يتداوى بالحب – مستنيماً إليه إلى حين – من الشك ، حيث يغدو محبوبه – مع شكه فيه – هو كل المُنى ، في صورة تجريدية تند عن الحسية ، وهنا حُق له أن يمشي إليه الشاعر مؤنسنا شبابه في صورة تشخيصية ، بوصفه محباً يسعى بخطى شبابية ، يُمني نفسه بالاطمئنان طمعاً – بدعم من شبابه – في التواصل ،
خطى الفيصل محكومة بمسعاه هو إلى محبوب مشكوك في حبه ،فخطواته وإن بدا ظاهرها سعيداً ، فهي محكومة بقيد من الشك ، حاول الشاعر في سعيه أن يتناساه ، بسعي من جانب واحد .
ويمكن للتشكيل بالزمن في الأبيات الثلاثة التالية ، أن يكشف من المسكوت عنه أضعاف ما يُظهر من أمر الشاعر مع محبوبه ، وعواطفه الحائرة تجاهه . إن حديث الشاعر عن خطى شبابه التي مشى بها إلى محبوبه لا يلوي على شيء غير مقصده إليه من طرف واحد ، ليقطع الشك بما ظنه يقيناً ، يبدو أنها تخيب وفق مسعى طال زمنه ، وكاد معه شبابه أن يولي إلى غير عود :

وَقَدْ كَادَ الشَّبَابُ لِغَيْرِ عَوْدٍ
يُوَلِّي عَنْ فَتَىً في غَيْرِ أَمْنِ

غدا نكمل ونتذوق قهوة عربية بنكهة اللغة العربية .. ونظهر المسكوت عنه في النص وبلاغة الحذف عن المسكوت عنه ،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق