الثلاثاء، 28 يناير 2014

تسامرني من خلف ظلال الغيوم بخاطرة !!!

تسامرني من خلف ظلال الغيوم  بخاطرة !!!
الثلاثاء 27 / ربيع الأول /1435هـ
Al-muneef .s. m          تسامرني من خلف ظلال الغيوم  بخاطرة !!!
مدخل :
جبال شاهقة تعانق عنان السماء ..
ورمال حمراء تقبل أطراف الشاطئ ..  
بأمواجه المتناغمة بحنان هادئ ..
تقبل الرمال وترتد بدلال الخجل ..
وسماء صافية موشحة .. بأسراب طيور نورس مغردة ..
فجاءة يعم المكان سكون مخيف .. يخفى أسراب النورس ..
وتتوقف أمواج البحر .. وتثبت ذرات الشاطئ .. ويسكن الهواء ..
وتترقب الطبيعة البديعة أمراً جلال !!!
يلف الكون ضباب .. أشم منه رائحة الأرض بعبق ملوحة البحر ..
سمائي ملبدة بغيوم كثيفة .. تقرع طبول الاستقبال رجف رعد ..
و وميض برق يسلب الأنظار .. وحبات مزن تفرش بساط الشاطئ ..
بحبات زهور و ورود ..
أرقب من خلال الغيوم وكثيف الضباب ..
طيفاً بعيداً موشحاً بألوان قوس قزح ..
يظهر مع وميض البرق ورجف الرعد ..
استشف شبح طيف يظهر ويقترب ببطء شديد شيئا .. فشيئاً .. فشيئاً ..
يظهر ويختفي ولا استشف سوى طيفاً بين كثيف الغيوم والضباب ..
فبصري ثابت محدق .. لاستطلاع طيف قادم كوهج شمس ..
 أكاد أرى ضيف قادم فتاة  خمرية البشرة ..
تلف شعرها الأسود الطويل بشريط مخملي مذهب ..
تتناثر خصلاته على جبينها .. ووجنتيها .. وكتفيها ..  
أراه جلياً خلال وميض البرق ..
فتاة ترتدي بلوزة خضراء ..
مواشه بخيوط مخملية قصيرة الأكمام ..
وتنورة مخملية منقوشة بأرواق شجر ذهبية من عين الشمس ..
وحزام يجمل وسطها بضوء القمر الوردي ..
وصندل من لون الغيم  يغطيه ذرات الشاطئ الرطب ..
فتاة بدت فاتنة الوجه بديعة التكوين ..
تشع من عينيها الخضراوين الحالمة لمعة باسمة ..
صافحت عينيها عيناي ..
فأحمر وجهها الخمري خجلاً وظهر الارتباك على هيئتها ..
فراحت تفرك كفيها وهي تتمتم بصوت خافت ..
متي ستنقشع الغيوم !!
وايماءة دهشة لطيفة ..
تحجب روعتها عني .. سحب الضباب الكثيف ..
ومضت صورة في ذهني .. فلمعت في عيني ..
هل هي واقع أم جنوح خيال ؟؟
ارتدى الصباح ثوب الشمس ..
وأشعل الليل قناديل النجوم ..
فطرب الكون بحضورها ..
خاطرة الحضور :

أستحضرك من غيوم مخيلتي ..
شوقاً أرجوانياً ..
لعلك تأتين ..
غيماً يسكن مشاعري ..
ممزوجاً بتغريد النوارس ..
ونسمات الريح ..
وهدير الموج ..
ورائحة الشاطئ ..
طيفك يناجني على رمال الشاطئ ..
فأهمس لك بأعذب تراتيل الحنين ..
تلفنا غيوم بوشاح الوله ..
وتداعب أرواحنا موجات البحر ..
أثمل بحضورها ..
بنبيذ لا يسكرني ..
انتشي بعشقها ..
بكلمات تمطرني شعراً ..
امتطي غيوم العشق جنوناً ..
أحلق بين مجرات الحب هائماً ..
غيوم الود تناجي الحنين  بحاراً ..
صحراء الحنين تناجي غيوماً ..
فاضت مُزْنُ العتاب شوقاً ..
وادي صحرائي يشتكي سراب السحاب ..
ينادي ودقاً ممطراً يروى الرمال والهضاب ..
فتنجب ورداً ومروجاً وزهراً يجلي وجد الغياب ..
مزون الحب هلي برذاذ الشوق على إيقاع الوله ..
وأروى عطش قلوب دفينة بين حرف وقصيد ..  
جفاف كلام .. صحراء مداد .. عقم  يراع .. إجهاض روح ..
ديمة الشوق هلي .. لأكتب على غيوم العتاب قصيدة ..
تناجي ثغرها بقطرات الشجن الطاغية ..
تتساقط حبات غيث .. توت وكرز بين أنفاسها ..
تسامرني من خلف ظلال الغيوم  بخاطرة ..
متى ستنقشع الغيوم ؟!
مخرج :
أيقظت سبات صحرائي .. بغيث غيوم ..
ما أجمل المساء عندما يهل .. بغيوم غرام ..
تكتسي الأرض ثوب الجمال .. فتسمو مشاعر ..
وترهف أحاسيس تبعث نشوة تروى قلوب ..    
اللون الخمري :
وصف البشرة السمراء درجات كثيرة وأنفسها اللون الخمري
وهو اللون الأسمر المشرب بالحمرة يشبه دم الغزال
وهو منتهى درجات اللون الأحمر .
همسة :
عندما نحب تسمو مشاعرنا ونستثمر حروفنا بإظهارها ..
لقلوب تحب بصمت وتهوى كتم مشاعرها وكبت أحاسيسها ..
عطر الله أنفاسكم برائحة الجنة .


  

الاثنين، 20 يناير 2014

إحساس حرف

إحساس حرف
الاثنين 19 / ربيع الأول /1435هـ
Al-muneef .s. m                                  إحساس حرف


بقعة ضوء عن ملامح حرف ..كيف انبثق من مشاعر الإنسانية .. مدى ارتباطه بالذكر والانثى .. إحساسه بين اللمسي والإيحائي والبصري والإيمائي .. لمحة عن ستة حروف تفتح لك الطريق للتعمق أكثر .. ولتخبرني عن خصائص حرف ارتبط باسمي حرف ( ....... ) .

خصائص الحروف العربية ومعانيها - حسن عباس
دراسة – منشورات اتحاد الكتاب العرب 1998                         
الباب الثاني معاني الحروف العربية على واقع المعاجم اللغوية  :
الفصل الأول الحاسة اللمسية وحروفها‏  تضم الحساسية الجلدية أربعة إحساسات رئيسة هي:‏  الإحساس بالتماس والضغط ، والإحساس بالألم ، والبرودة، والسخونة.‏  ففي كل سنتمتر مربع من بشرة الانسان يوجد أربعة أنواع من النقاط اللمسية. كل نوع يستجيب لواحد من الاحساسات الرئيسة الأربعة .

الحروف اللمسية :‏ 
هي أبسط الحروف العربية وأقلها تعقيداً. وهي :‏ التاء -  الثاء - الذال - الدال الكاف - الميم.
حرف التاء‏ :
مهموس انفجاري شديد. من الحروف الضعيفة الشخصية،  
فإن صوته المرن يوحى بملمس بين الطراوة والليونة، كأنّ الأنامل تجسّ وسادة من قطن.
أو كأنّ القدم الحافية تطأ أرضاً من الرمل الجاف .   
 ‏ حرف الثاء :
مهموسة رخوة. من الحروف القوية الشخصية.‏
من الحروف الشاعرية الرقيقة.‏ يمثل جنس الأنوثة كإحساس لمسي .
وكأني بالعربي لم يبدع صوت هذا الحرف إلا خصيصاً للأنثى، ليميزها بالثاء حتى من النساء أنفسهن، إيفاء لحقها من الرقة والدماثة والإحاطة واللين. فما كل امرأة تتوافر فيها خصائص الأنوثة وإن كانت أنثى. فلفظة الأنثى إنما هي ألصق بالجنس من لفظة المرأة. قد قصّرت أنوثة الأشياء والكائنات الحية عن أنوثة الجنس في حرف الثاء، فأُنّثَتْ بتاء التأنيث. تفيض الثاء عليها من خلف هذا الحجاب الشفاف طيف رقة وعاطفة وأنوثة. لتستقل الثاء وحدها بعرش الأنوثة في لفظة الأنثى، ضمّاً للنون الأنيسة إلى الثاء الأنثوية،
حرف الذال :
مجهور رخو، من الحروف القوية الشخصية .  
فقد تركزت في الذال كل الذكورة، وخشونة ملمس، وشدة ظهور.‏
فإنّ الذال ألذع مذاقاً وأكوى حرارة وأوخذ ملمساً وأشد توتراً،
حرف الدال‏ : 
مجهور شديد. من الحروف المتوسطة القوة،
صوت الدال أصمّ أعمى مغلق على نفسه كالهرم ، لا يوحي إلا بالأحاسيس اللمسية وبخاصة ما يدل على الصلابة والقساوة وكأنه من حجر الصوان.
فليس في صوت (الدال) أي إيحاء بإحساس ذوقي أو شمي أو بصري أو سمعي أو شعوري، ليكون بذلك أصلح الحروف للتعبير عن معاني الشدة والفعالية الماديتين .‏تدل معانيها على الشدة والفعالية الماديتين وعلى التحطيم والدعس. قد جعله في عزلة عمياء صمّاء عن أي إحساس آخر أو مشاعر إنسانية.‏  وهذا الانغلاق جعله أصلح الحروف للتعبير المباشر عن الظلام والسواد. دونما كناية أو تورية.‏  فهل لدى القارئ تعليل آخر؟.‏ 
حرف الكاف :‏ 
مهموس شديد، حرف يتمتع بشخصية متوازنة متوسطة الشدّة.
إذا لفظ صوته ممطوطاً مخفوتاً به قليلاً ومضغوطاً عليه بعض الشيء، يوحي بشيء من الخشونة والحرارة والقوة والفعالية،
أما إذا لفظ بصوت عالي النبرة وبشيء من التفخيم والتجويف، فإنه يوحي بالضخامة والامتلاء والتجميع،
حرف الميم :‏ 
مجهور، متوسط الشدة أو الرخاوة. خصائص صوت هذا الحرف موزعة بين اللمسي الإيحائي والبصري الإيمائي،
يشبه المطر صوته يوحي بذات الاحاسيس اللمسية التي تعانيها الشفتان لدى انطباقهما على بعضهما بعضا، من الليونة والمرونة والتماسك مع شيء من الحرارة.‏
أن حرف الميم قد أبدع أصلاً لتمثيل واقعة الرضاع بالذات.
إنّ حرف الميم هو من إبداع المرأة الأم بالذات، بدأ حرف الميم بانطباق الشفة على الشفة في ضمّة شديدة طويلة متأنية، وذلك تمثيلاً لواقعة الرضاع،




الأحد، 12 يناير 2014

عواطف حائرة 6/6

عواطف حائرة 6/6
الأحد 11 / ربيع الأول /1435هـ
Al-muneef .s. m                     عواطف حائرة 6/6


كلمات الامير الشاعر / عبدالله الفيصل ....غناء أم كلثوم
ثورة الشك
وسوف نقف عند ما نستجلي به من النص توظيف كل من الهمس والجهر لإنتاج مزيد من دلالته .
فمن حيث دور الهمس في إنتاج دلالة المعنى ، يمكن أن نضرب مثلاً بمفردة ، تُعد من ركائز النص فنياً ونفسياً ، وهي : مفردة ( الشك ) وما يُشتق منها . إذ وردت في النص خمس مرات : مرتين في البيت الأول بصيغة المضارع (أَشُكُّ) ، وثلاثة مرات بصيغة المصدر : في البيت الثامن ( شك ) ، والعاشر وكذلك الثالث عشر ( الشك ) . والكلمة لُحمتها وسُداها حرفان مهموسان ، هما : الشين والكاف . الشين ( صوت لثوي حنكي احتكاكي مهموس ) ، والكاف ( صوت حنكي قصي انفجاري مهموس ) ، وقد جاء منبوراً بالتضعيف ، يعكس نبره وكونه قصياً ما يوحي بوجع داخلي . وربما يزيد من الإحساس بالأصوات المهموسة إيحاء بالألم المكتم ، أن ( الدراسات المختبرية الصوتية كشفت ، أن الأصوات المهموسة تنتج بجهد مضاعف ، وتحتاج إلى وقت أكثر من الأصوات المجهورة ، التي تنتج بجهد ووقت أقل ، لذا يكشف تجمع الأصوات المجهورة والمهموسة ، في أسطر القصيدة ، الخارطة الدلالية المرتبطة بالحالة النفسية التي يتولد في ظلها الخطاب ، وفقاً لمبدأ الوقت والجهد المتاحين للشاعر ، وقد يحاكي هذا التنوع نوعاً من الانفعالات والمضامين ، التي يريد الشاعر أن يثيرها ، أو تتسرب عبر النسيج الشعري مع تيار الدلالات الخفية ) . ولا يقل دور الأصوات 

المجهورة في نص الفيصل عن دور الأصوات المهموسة ، توظيفاً لإنتاج دلالة النص . ولنأخذ صوتاً كالنون ، كانت له غلبة الحضور في النص ، فهو صوت الروي في قافيتها ، وهو من الأصوات الغالبة في أبياتها ، إذ قد مثل حضوراً طاغياً في الأبيات : الأول والثاني والثالث والخامس والسادس والسابع والعاشر وقبل الأخير والأخير على التوالي ، وكثر مجيئه منبوراً بالتضعيف في القافية ، ممدوداً بياء المتكلم ، ولم تخل بعض الكلمات في حشو الأبيات من ذلك .
و إذا عرفنا أن ( النون صوت أسناني لثوي أنفي مجهور ) ، أدركنا أنه من أصوات الوضوح السمعي ، وقد تعمد الشاعر – أو هداه حسه الملتاع – أن يجعله روياً في القافية ، التي ينتهي عندها موج النغم صاكاً سمع المتلقي ، ليعايش الشاعر أوجاعه في خصوصيتها ، التي عكسها المد بياء المتكلم ، وزاد حضورها بنبر النون وتنغيمه مضعفاً . وقد جعل الأصواتيون المحدثون مثل : النبر ، والتنغيم ، والتفخيم ... إلخ ، من السمات فوق التركيبية ، التي لها دور مهم في الإيحاء بالمعنى كشفاً عن انفعالات المبدع . فعلى ( حين أن النبر والتفخيم في اللغة العربية سمتان غير تميزيتين ( لا يغيران من دلالة المعنى ) ، ولكن هذه السمات التي هي غير تمييزية في اللغة ، يصبح لها تأثير مضاف ، وتسهم في توكيد الدلالات وزيادة الإيحاء ، وكشف مسارب الشعور والانفعالات ) .
ولقد أوحت الكلمات المنبورة من خلال صوت النون ، وهو صوت نحاسي رنان ، جاء بصحبة أصوات المد ، بأن ثمة مكتماً موجعاً ، ولعل ذلك يبدو من خلال تكنيك مهم الآن : هو تكنيك ( الإنشاد ) تمثيلاً للمعنى . ولعل هذا ما أبان عنه – إن صح هذا التمثيل – صوت أم كلثوم ، وهي تنشد – بإحساس من يراعي مخارج الألفاظ نبراً وتنغيماً – قصيدة ( عواطف حائرة ) أو ( ثورة الشك ) ، وبخاصة إذا عرفنا أن ( النبر الذي هو نشاط عضوي يؤدي إلى إنتاج كمية أكبر من الهواء الخارج من الرئتين ، لذلك يكون المقطع المنبور ( درجة علو الصوت ) أوضح من المقطع غير المنبور ، ويضم المقطع المنبور غالباً صوتاً صائتاً ( مركز الوضوح ) . وقد تحقق هذا كثيراً ، كما بينا من خلال اقتران النون بصائت طويل معول مثل ياء التي دلت على المتكلم ، ما أعطي إحساس أكثر بعواطف الشاعر الحائرة ، وثورة شكه .

رحم الله الأمير الشاعر عبدالله الفيصل ، ورحم الله كوكب الشرق أم كلثوم .

شاكر كل من لبى دعوة متقاعد للإحتفال بيوم اللغة العربية العالمي ..
وتذوق شموخ لغتنا العربية .. واستمتع بشعر الخيال وروعة الأسلوب ..
لا عتب .. لا لوم .. لكل من رفض تلبية الدعوة ..



السبت، 11 يناير 2014

عواطف حائرة 6/5

عواطف حائرة 6/5

السبت 10 / ربيع الأول /1435هـ
Al-muneef .s. m                    عواطف حائرة 6/5


كلمات الامير الشاعر / عبدالله الفيصل ....غناء أم كلثوم
ثورة الشك
وَبِي مَمَّا يُسَاوِرُنِي كَثِـيرٌ
مِنَ الشَّجَـنِ المُؤَرِّقِ لاَ تَدَعْنِي

تُعَذَّبُ فِي سبيلِ الشَّكِّ رُوحِي
وَتَشْقَى بِالظُّنُـونِ وَبِالتَّمَنِّي

أَجِبْنِي إِذْ سَأَلْتُكَ هَلْ صَحِيحٌ
حَدِيثُ النَّاس : خُنْتَ؟ أَلَمْ تَخُنِّي

انطلاقاً من الإحساس بعبودية الحب ، يبوح الفيصل من طرف واحد لمحبوبه كما تعود متوسلاً ، ومتذرعاً في الوقت نفسه ، بما يساوره من شجن ، جعله – في صورة تجسيدية – هذه المرة مؤرقاً ، ينطق بجبروته . والتجسيم هو ( إيصال المعنى المجرد مرتبة الإنسان في قدرته واقتداره ) . وهنا يأتي التوسل : ظاهره المواجهة ، وباطنه الانكسار ، من خلال قوله : ( لا تدعني ) ، وقد كرس الإحساس بالانكسار – حيرة وقلقاً – فعلا العذاب والشقاء في البيت التالي ، اللذان جاءا مضارعين يوحيان بتجدد عذاباته وانكساراته ، الأول : (تُعَذَّبُ) جاء مبيناً للمجهول مرتبطاً بالشك ، والآخر : (تَشْقَى) جاء مرتبطاً بالظنون وبالتمني ، وكلاهما مرتبط بعالم الروح المعذبة بفعل بفواعل مجهولة عكسها الفعل المبني للمجهول (تُعَذَّبُ) إنها فواعل تصالحت على روحه التي توحدت بجسده ، ليصطليا معاً – وفق صورة تجسيدية ناطقة تحيل المجرد مجسداً – في لهيب الشك ، وهنا يشتد أوار الشك بروزاً بهذه الصورة ، يستقرئ خبيئة نفسه وروحه ، التي شخصها وأنسنها في صورة معذب ، يشقى – في مفارقة تصويرية – على حد سواء : بالظنون التي مصدرها الشك / الإحساس بالخيانة ، وبالتمني مغالطة / مخاتلة / كذباً على النفس المحبة .

ويظل الفيصل ( أو سيزيف المعاصر ) في دائرة الشك وحمأته ، وهو يختم قصيدته كما بدأها ، حين يواجه محبوبه مرة أخرى ، بما قاله الناس من أمر خيانته ، وكأنه غير قادر على فعل مواجهة نفس محبوبه ، بما يعتمل في نفسه هو ، دون نفس الناس ، أو دون قولهم . ولما واتته الشجاعة أخيراً – عبر استفهام إنكاري يبعثه على الإقرار ، بقوله : (لاَ تَخُنِّي) – جعل استفهامه نهاية لقصيدته ، وبداية لسرمدية عذابات جديدة في ثورة شكه ، ليظل بوحه بحيرته أسئلة ، لا يجد لها جواباً عند محبوبه الغائب المُغيب . وكأنه كُتب على عبد الله الفيصل / سيزيف المعاصر أن يظل مُثقلاً بعذاب ( صخرة الشك ) ، يدحرجها في سرمدية من العذاب ، من سفح ( جبل الحب ) إلى قمته . لقد لعب التشكيل بالأصوات – إيقاعاً – في هذه القصيدة ، دوراً بالغ الأهمية ، من حيث رسوخها معايشة عند المتلقي العربي ، وهو يسمعها مُغناة بصوت صادق لــ ( أم كلثوم ) ، التي عُرف عنها ذوقها الصحيح في اختيار ما تغنيه لأجيال ذواقة . هذا وقد تنبه علماء الأصوات من اللسانيين المهتمين بتحليل الخطاب الشعري وفق توظيف الأصوات ، إلى أهميتها في إنتاج الدلالة ، فالدكتور قاسم البريسم يرى : ( أن الشاعر لا ينفصل عن الواقع ، فهو يتحسس العالم من خلال الخلق والإبداع ، إعادة تكوينه باللغة ، بالرغم من أن هذا الخلق فردي ، ويكتنفه الغموض إلى حد ما ، وأن عناصر المعنى تنبع من الأصوات التي تزيد المعنى أو تنقصه من خلال تشابكها الذي يظهر في المقاطع والألفاظ والسياق ، وأن التأثير الصوتي للنص يأتي من اتحاد الكلمات التي يتضافر في تكوينها الصوت والمعنى ، والتي تؤدي دوراً كبيراً في تذوق المتعة في الأدب ) .
ويمكن أن توقفنا ظواهر صوتيه مهمة في قصيدة ( عواطف حائرة ) ، عند ( شعرية الأصوات التي تميز بها النص تأثيراً في التلقي ، منها : حروف المد أو اللين ، أو الحركات الطويلة ( الألف والواو والياء ) ، ولكل من النقاد واللسانيين رأي في دورها نتاجاً للدلالة ، ( قد يكون لبعض الأصوات اللغوية إيحاء خاص في بعض السياقات المعينة ، فحروف المد - مثلاً - في سياقات معينة تقوي من إيحاء الكلمات والصور) .
والمسترجع للقصيدة في قراءة متأنية ، قد يشعر أن حروف المد فيها تشبه نواحاً مكتماً ، يخرج أشبه بزفير ، ينفس فيه الشاعر عن جوانية متلظية بنار الشك والحيرة ، ولنستمع – مداً بالألف – إلى الكلمات : (أَكَادُ) مقترنة بالشك ، و (أُغَالِطُ) مقترنة بالسمع ، و (يُسَاوِرُنِي) مقترنة بالشجن ، ثم لنستمع – مداً بالواو – إلى الكلمات : (يَقُولُ) مقترنة بالناس ودواخلهم الشاكة ، و (رُوحِي) مقترنة بالعذاب والشك ، و (الظُّنُـونِ) مقترنة بالشقاء ، ثم لنستمع مداً بالياء – علاوة على كلمات القافية ورويها الممدود بالياء – إلى الكلمات : (فَاتَنِي) المقترنة بالقدر ، و (شَقِيـتُ) المقترنة بحسن الظن ، و ( لهيب ) المقترنة بالعذاب .
إن الكلمات السابقة في سياقها تقوي لدى المتلقي – إذا ما رددها إنشاداً – الإيحاء بالألم / القلق / الحيرة . وعن القيمة الإيحائية لحركات المد يقول د. محمد فتوح : ( إن حركات المد – كما هو معلوم – من أكثر الأصوات سهولة في النطق ، ولطفاً في الأذن ، وطواعية للإيحاء ، لأن ما فيها من سعة وامتداد يتناسب مع حالات الشجن الهادئ العميق ) .
ولعل هذا يتناسب إلى حد مقبول من نص الفيصل : ( عواطف حائرة ) .
وقد وفر وجود أصوات المد للمتلقي وضوحاً سمعياً ، جعله يعايش تسمع إيقاعات الأنين والشجن من جوانية نفس الشاعر المكلومة ، ذلك أن ( الأصوات الصائتة ( الفتحة والفتحة الطويلة ، والضمة والضمة الطويلة ، والكسرة والكسرة الطويلة ) تعد من أوضح الأصوات في لغتنا العربية ، ويعود السبب في وضوح هذه الأصوات إلى الحزم الصوتية ، التي تشكل طبيعتها الفيزيائية ) .
وقد راوح حس الفيصل الشاعر بإيقاع الأصوات ، بين المجهور والمهموس في قصيدته ، وعرف شعوره للأصوات موقعها الموفق بين الجهر والهمس ، إذ ( يلعب الجهر دوراً إيجابياً في وضوح الصوت ، في حين يجسد الهمس دوراً سلبياً له ، لأن علو الصوت يعتمد على معدل ذبذبة الأوتار الصوتية ، فكل انغلاق وانفتاح للأوتار الصوتية في الحنجرة ، يؤدي إلى ظهور قمة في ضغط الهواء ، لذلك يكون الصوت المجهور أوضح من الصوت المهموس ) .
وسوف نقف عند ما نستجلي به من النص توظيف كل من الهمس والجهر لإنتاج مزيد من دلالته .

غدا نكمل عناق السحاب لجمال صوت اللغة العربية  في النبر والتنغيم والتفخيم والإيحاء .. والإحساس بمخارج الألفاظ تنغيماً ،