الثلاثاء، 7 يناير 2014

عواطف حائرة 6/1

عواطف حائرة 6/1
الثلاثاء 6 / ربيع الأول /1435هـ
Al-muneef .s. m                         عواطف حائرة 6/1

أعشق ورد الكلمات .. وأهوى استنشاق عبير الحروف .. وأحب الغوص داخل نكهة الجمل .. ومعرفة من أين أتى العبير .. واكتشاف ميسم الورد .. والاستمتاع بنكهة .. بتلات قصائد وخواطر ..  لذلك أهوى الكتب التي تغوص نقدا في النص و ما يلوح من دلالات الحاضر والغائب ..  لذلك أنقل نقد قصيدة عواطف حائرة لعبدالله الفيصل للاستمتاع بجماليات اللغة العربية وارتباط  قواعد النحو والصرف بالنقد لكل قارئ يسعى للفهم والمعرفة .
عواطف حائرة وتعرف ايضا بقصيدة ثورة الشك   
كلمات الامير الشاعر / عبدالله الفيصل ....غناء أم كلثوم
يبدأ عبدالله الفيصل قصيدته بقوله :

أَكَادُ أَشُكُّ في نَفْسِي لأَنِّي .... أَكَادُ أَشُكُّ فيكَ وأَنْتَ مِنِّي

يَقُولُ النَّاسُ إنَّكَ خِنْتَ عَهْدِي .... وَلَمْ تَحْفَظْ هَوَايَ وَلَمْ تَصُنِّي

بدأ عبدالله الفيصل بمطلع ندرك من خلاله شكه في محبوبه وولائه لحبهما ،فهو يكاد يشك في نفسه ، ذلك لأنها فيما يزعم ظاهراً هي ذات المحبوب المشكوك فيه ، وفي حفظه لمواثيق الهوى ، التي لم يحفظها ويصنها ،بما يخالط الشك من مظنة الخيانة ،
نجد إن ذات الفيصل تنقسم على نفسها الي ( أنا ) يبدو ظاهرها متوحدا مع أنا الاخر المحبوب ، ثم الي الأنا الأخرى ، الشاكة المخونة ، التي تظل طوال القصيدة في ثورة من الشك ، تتلمس طريق الاطمئنان الي حفظ مواثيق الهوى مجافاة للشك ، الخيانة ، حديث الناس ، ولكنها تظل في هذه الدائرة تحترق في سرمدية الشك ،
سنشرع الان في تحليل القصيدة تحليل تفصيلي :
يبدأ الفيصل قصيدته ، بما يدخل المتلقي معه ، بوحي من الايقاع ، اتون تجربته ، مع اول دقة من دقات بحر الوافر ، تكاد التفعيلات تتساوى طولا ، ونفسا محترقا مضطربا ، تعكسه اصوات المد بالألف والياء ، التي تعبر عن جوانية متألمة :

 أَكَادُ أَشُكُّ في نَفْسِي لأَنِّي .... أَكَادُ أَشُكُّ فيكَ وأَنْتَ مِنِّي

أن الفيصل بدأ بفعل مضارع من افعال المقاربة ، المتصلة معنى بالدخول في دائرة الشك حول مصداقية هذا الحب ، هذا الفعل هو (أَكَادُ) الذي لعب دورا مهما في انتاج دلالة جديدة ، إن افعال المقاربة ومنها كاد ، تفيد في جملتها مقاربة الاسم للخبر ، اي ان نسبة الخبر للاسم قريبة الحدوث وإن لم تحدث فعلا ، وأن وصول الاسم الي معنى الخبر يدنو من التحقق ،
ووفقا للتصور الدلالي السابق الذي تضفيه معاني افعال المقاربة ، فإن ذات الفيصل وأناه التي جاءت ضميرا مستترا وجوبا اسما لــ (أَكَادُ) هي تلك الأنا المنقسمة الشاكة ، التي تقارب خبرها شكا في النفس حيال المحبوب خيانة ، نقضا للعهد كما فهمنا من البيت التالي ، الذي عكسه فعل الشك (أَشُكُّ) متعلقا بشبه الجملة ( في نَفْسِي) ،

إذن فالشك يتطرق في اول الامر ، كما يتبين من الشطر الاول الي النفس ( الأنا والأنا الاخر ) ، ثم ينتقل الشك في دائرة مغلقة الي الاخر المحبوب ، الذي صار بفعل الحب الحقيقي جزءا من الأنا المحبة ، قبل ان تنقسم تحولا الي ( الأنا الأخرى ) ،
وإذا عرفنا ان من شروط خبر (كاد) ان يكون جملة فعلية ، فعلها مضارع يرفع ضميرا يعود على اسمها ،
فإن الاحساس بالفعل (أَكَادُ) الذي جاء مضارعا مماثلا لفعل جملة الخبر (أَشُكُّ) يقوي الاحساس بسرمدية حالة المقاربة بين اسم كاد ذات الشاعر ،
وخبرها الذي يدور حول الشك ، ذلك لأن الفعل المضارع يفيد التجدد والحدوث ، فيما يعكسه هنا من مدوامة الشك ،
يقوي إدراك هذا عند المتلقي ان فعل المقاربة (أَكَادُ) متصل بذات الشاعر ،
الضمير المستتر ( أنا ) الذي يعبر عن أناه المنقسمة ،
وكذلك فعل جملة الخبر المضارع (أَشُكُّ) متصل بذاته ،
الضمير المستتر ( أنا ) ، الذي يعود نحوا ومعنى على اسم (أَكَادُ) ،
الذي هو ذاته المعبر عن أنا الشاعر المنقسمة ، في دائرة مفرغة منه وإليه ،
وهكذا تولد (  النحوية  ) دلالات (  الشعرية  ) في النص ،
وقد لعب الايقاع المتساوي في حسن تقسيم بين شطري البيت دورا مهما في نتاج الدلالة،
ان تساوي او شبه تساوي التفعيلات إيقاعا بين الشطرين ، يعكس إيقاع تساوي الافعال وردودها على النحو التالي :
(أَكَادُ أَشُكُّ = أَكَادُ أَشُكُّ = مفاعلتن ) ،
( ك في نَفْسِي = ك فيكَ وأن = مفاعلتن ) ،
إن التفعيلة الثانية من الشطر الأول تضم نفس الشاعر التي اتصلت بياء المتكلم في قوله (نَفْسِي) عاكسة معنى الذات الشاكة ،
والتفعيلة الثانية من الشطر الثاني تضم نفس المحبوبة في قوله : (فيكَ) متصلة بكاف الخطاب ، عاكسة معنى الذات المشكوك فيها ، ليكرس .

غدا نكمل ونتذوق قدح شاي بنكهة نعناع المدينة المنورة.. بين معطيات النحوية وحمولاتها الشعرية ،  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق